فصل: فصل في التشنّج:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.فصل في التشنّج:

التشنج علة عصبية تتحرّك لها العضل إلى مباديها فتعصى في الانبساط فمنها ما تبقى على حالها فلا تنبسط ومنها ما يسهل عوده إلى البساط كالتثاؤب والفواق.
والسبب فيه إما مادة وإما سبب غير المادة مثل حر أو يبس.
ومادة التشنّج في الأكثر تكون بلغمية وربما كانت سوداوية وربما كانت دموية وذلك في أورام العضل إذا تحللت المادة المورمة قرح ليف العصب فزادت في عرضه ونقصت من طوله. وكل تشنّج مادي فإما أن تكون المادة الفاعلة له مشتملة على العضل كله وذلك إذا كان تشنجاً بلا ورم وإما أن تكون حاصلة في موضع واحد ويتبعها سائر الأجزاء كما تكون عن التشنج الكائن للورم عن مادة منصبة لضربة أو لقطع أو لسبب آخر من أسباب الورم ولا يبعد أن يكون من التشنج ما يحدث من ريح نافخة كثيفة.
وأرى أنه مما يعرض كثيراً ويزول في الوقت.
والتشنج المادي قد يعرض كثيراً على سبيل انتقال من المادة كما يعرض عقيب الخوانيق وعقيب ذات الجنب وعقيب السرسام.
وأما الذي يكون من التشنج لفقدان المادة والرطوبة وغلبة ليبس فيعرض من ذلك أن ينتقص طولاً وعرضاً وينشوي فيجتمع إلى نفسه كحال السير المقدّم إلى النار وأنت تعلم حال الأوتار أنها تقصر في الشتاء للترطب وتقصر في الصيف للتجفف وكذلك حال العصب وقد يكون من التشنّج الذي لا ينسب إلى مادة ما تقع بسبب شيء مؤذٍ ينفر عنه العصب ويجتمع لدفعه.
وذلك السبب إما وجع من سبب موجع وكثيراً ما يكون من خلط حار لاذع وإما كيفية سمية تتأدى إلى الدماغ والعصب كما تعرض لمن لسعته العقرب على عصبه وإما كيفية غير سمية مثل ما يعرض التشنّج من برد شديد يجمع العصب والعضل ويكتفه فيتقلص إلى رأسه وكما أن الاسترخاء قد كان يختلف في الأعضاء بحسب مبادي أعضائه فكذلك التشنّج.
والقياس فيهما واحد فيما يكون دون الرقبة وفي قدام وخلف في جهة وما يكون فوق الرقبة.
والتشنّج الامتلائي الرطب سببه الذاتي أما الرطوبة والبرد يعينه على إجماده وتغليظه فلا ينبسط وأما اليبوسة والحرّ يعين على مبالغته بتحليل الرطوبة.
والمادة الفاعلة للتشنج إنما تشنج ولا ترخي لغلظها ولأنها غير مداخلة لجوهر الليف مداخلة سارية منتفعة فيها ولكنها مزاحمة في الفرج وكأن التشنج صرع عضو كما أن الصرع تشنج البدن كله. والفرق بينهم العموم والخصوص وأن أكثر الصرع ينحلّ بسرعة وقد يكون بأدوار وغير ذلك من فروق تعلمها.
ومن التشنج الرطب ما يعرض للمرضعات بمجاورة الثدي وترطيب اللبنية للأوتار وجمود اللبن فيها ومنه ما يعرض للسكارى ومنه ما يعرض للصبيان لرطوبتهم وكثيراً ما يعرض لهم في حميّاتهم الحادة وعند اعتقال بطونهم وفي سهرهم وكثرة بكائهم يتشنّجون أيضاً في حمّياتهم وإن كانت حمياتهم خفيفة.
وبالجملة فإن الصبيان يسهل وقوعهم في التشنج لضعف قوى أدمغتهم وأعصابهم وضعف عضلهم ويسهل خروجهم عنه لقوة قوى أكبادهم وقلوبهم ولأن أخلاطهم ليست بعاصية شديدة الغلظ ولذلك يعافون عن التشنج اليابس بسرعة لرطوبة مزاجهم ورطوبة غذائهم.
وأما البالغون فلا يسهل أحد الأمرين فيهم.
على أنه قد يعرض للصبيان تشنج رديء عقيب الحميات الحادة وتكون معه العلامات التي تذكر فقلما يتخلصون منها.
وأما من جاوز سبع سنين فلا يتشنج إلا لحمى صعبة جداً ومن التشنّج ما يعرض للخوف والسبب فيه أن الروح الباسط يغور دفعة ويستتبع العضل متحركة إلى المبادي ثم تجمد على هيئتها.
ومن التشنج ما يقع بسبب الاعتماد على بعض الأعضاء وهو منقبض فتنصب إليه مادة وتحتبس فيه وفي هيئته وعلى هندام انقباضه وربما كان عن ضربة فعلت ذلك أو حمل حمل ثقيل أو نوم على مهاد صلب وهذا مما يزول بنفسه وربما كان هذا الخدر يصيب العضو لامتلاء من ماد منصبة تزاحم الروح المحرّك وتمنع نفوذه فلا يمكن أن يحرك إلى الانبساط وإذا عادت القوة وفرّقت المادة انبسط.
وقد يكون من الامتداد مثله وهذا كثيراً ما يكون بعد النوم عند الانتباه إذا بقيت الأعضاء المقبوضة لا تتمدد لأن الروح أيضاً في النوم أكسل فلا يلج في وأما التشنج اليابس فمنه ما يكون عقيب الدواء المسهل وهو رديء جداً وكذلك عقيب كل استفراغ ومنه ما يكون أيضاً عقيب الحميات المحرقة أو خصوصاً في حمّيات السرسام وعقيب الحركات العنيفة البدنية والنفسانية كالسهر والغم والخوف وذلك مما يضل التخلص عنه وقد يكون من التشنج ما يعرض في الحمّيات مع ذلك وليس برديء جداً وهو الذي يكون من تسييلها المواد في العصب والعضل وخصوصاً إذا كان البدر ممتلئاً وربما عرض ذلك فيها بمشاركة فم المعدة ويزيله القيء.
ومثل هذا التشنّج من الحميات ليس بذلك الصعب الرديء إنما الصعب الرديء ما كان في الحميات المحرقة والسرسام الذي يجفف العصب والعضل ويشوي الدماغ وما كان في الحمّيات المزمنة الذي يجفف العصب والعضل بل الدماغ ويفني الرطوبة الغريزية فيشنّج وقد يكون من هذا اليابس ما يكون ويبطل سريعاً والسبب فيه يبوسة الدماغ للضعف فيتبعه يبوسة الأعصاب فإنه إذا أصاب الدماغ أدنى سبب مجفف استرجع الرطوبة من الأعصاب والنخاع فانقبضت الأعصاب ثم إذا عنيت الطبيعة بإفادة الدماغ رطوبة كافية عادت الأعضاء مطيعة للانبساط بتكلف وكما يقع من شدة برد فإنه كثيراً ما ينفع التشنج لبرودة الدماغ ومشاركة العضل له.
والتشنّج المؤذي هو الكائن عن اليبوسة ومن التشنج الكائن باليبوسة ما يكون بنوع جمود الرطوبة فيقل حجمها ويتكاثف جماً فيشنج العضو كما يقع من شدة البرد وكما يقع لمن شرب الأدوية المخدرة كالأفيون.
وأما التشنج الكائن بسبب الأذى فكتشنج شارب الخربق فإنه يشنج بعد الإسهال باليبوسة ويشنج أيضاً قبله لمضادته وسميته فيؤذي العصب أذى شديداً ينقبض معه.
ومن هذا القبيل تشنج من قاء خلطاً زنجارياً نكأ في فم المعدة والتشنّج الكائن بسبب قوة حس فم المعدة إذا اندفع إليه مرار والتشنج الكائن بمشاركة الدماغ للرحم في أمراضها والمثانة وغير ذلك والتشنج الكائن عن لسعة العقرب والرتيلاء والحية على العصبة أو قطع يصيب العصب أو كله والكائن لعلة في المعدة والرحم والأعضاء العصبية.
وقريب من هذا التشنج العارض بسبب الديدان.
ومن التشنج الرديء ما كان خاصاً في الشفة والجفن واللسان فيعلم أن سببه من الدماغ نفسه وإذا مال البدن في تشنجه إلى قدام فالتشنج في العضلات المتقدمة أو إلى خلف فالتشنج في عضلات الخلف أو مال إليهما جميعاً فالعلة فيهما جميعاً مثل ما كان في الفالج.
وربما اشتد التشنج حتى يلتوي العنق وتصطك الأسنان وكل من مات من التشنج مات وبدنه بعد حار وذلك مما يقتل بالخنق وإنما يقتل بالخنق لأن عضل التنفس تتشنّج وتبطل حركتها وكل تشنج يتبع جراحة فهو قتال وهو من علامات الموت في أكثر الأمر.
العلامات: نبض المتشنّجين متمدد مختلف في الموضع يصعد وينزل كسهام تنقلب من قوس رام وتختلف حركات نقراته في السرعة والبطء ويكون العرق حاراً أسخن من سائر الأعضاء ويكون جرم العرق مجتمعاً كاجتماع العرق في النافض لا كالمنضغط وكما يكون عند صلابة العرق لطول المرض أو الكائن مع وجع الأحشاء ولكن كاجتماع أجزاء مصران متمدد من طرفيه. وسنذكر أمارات الوجع في التشنج من بعد قليل أما التشنج الكائن عن الامتلاء فعلامته أن يحدث دفعة ولا يتشرب سريعاً ما يجعل عليه من دهن إلا أن يكون أصابته حرارة قريبة العهد.
وأما الكائن عن اليبوسة فيكون قليلاً قليلاً وعقيب أمراض استفراغية أي جنس كان أو استفراغ بأدوية أو هيضة واستفراغ من ذاته.
وأما الكائن عن الأذى فتعرفه بالسبب الخارج والمشروبات مثل الأفيون والخربق وغيره ومثل أنه إذا كان الأذى من المعدة فيشاركها الدماغ ثم العصب أحس قبل ذلك بغشي وكرب وانعصار المعدة وربما كان يجد ذلك مدة التشنج وربما كان ذلك التشنج عقيب قيء كراثي أو زنجاري وكذلك الذي يكون لِقُوة حسّ فم المعدة فكلما انصب إليه مادة تشنج صاحبها ولكن يتقدمه أذى في فم المعدة ولذع.
وقد يقع مثل ذلك في أمراض الرحم والمثانة وغيرهما إذا قويت ويكون مع ألم ووجع شديد وآفة في ذلك العضو ويتقدم التشنج.
وأما سائر التشنج فإما أن لا يكون معه ألم أو يكون الألم حادثاً ومن الدلائل الدالة على حدوث التشنّج صغر النبض وتفاوته أولاً ثم انتقاله إلى ما قيل وكثيراً ما يحمر الوجه ويظهر بالعينين حول وميلان وفي التنفس انقطاع وانبهار وربما عرض ضحك لا على أصل وتعتقل الطبيعة وتجفّ.
والبول أيضاً كثيراً ما يحتبس وكثيراً لا يحتبس ويخرج كمائية الدم ويكون ذا نفاخات ويعرض لهم فواق وسهر وصداع ورعشة ووجع تحت مفصل العنق بين الكتفين وعند مفصل القطن والعصعص ودون ذلك ويدلّ على أن التشنج الواقع بسبب الحمى وينذر به في الحميات عوج في العين وحمرة في الطرف وحول وتصريف الأسنان وسواد اللسان وامتداد جلدة الرأس واحمرار البول أولاً ثم ابيضاضه لصعود المادة إلى الرأس وضربان الأصداغ وعروق الرأس وربما جف به البطن أو تشنج.
وقد قال بقراط: لأن تعرض الحمى بعد التشنج خير من أن يعرض التشنج بعد الحمى معناه أن الحمّى إذا طرأت على التشنج الرطب حللته وأما التشنج الذي يحدث من الحمى فهو اليابس الذي قلما يقبل العلاج ويعرض قبله تفزع في النوم وتحول من اللون إلى حمرة وخضرة وكمودة واعتقال من الطبيعة.
والبول القيحي في الحمّى والقشعريرة إذا صحبه عرق في الرأس وظلمة في العين دلّ على تشنّج سببه دبيلة في الأحشاء فإن كان التشنّج مع الحمى ولم يكن من قوة تلك الحمّى وطول مدتها أن تحرق الرطوبات أو تفشيها فذلك من الجنس الذي ليس به ذلك اليابس كله ومن العلامات الرديئة في التشنّج الرطب أن في الريح في الأعضاء وخصوصاً إذا انتفخ معه البطن وخصوصاً إذا كان في ابتدائه.
والبول الحار في التشنّج وفي التمدّد رديء يدل على أن السبب حرارة ساذجة وإذا كان مع التشنّج ضربان في الأحشاء أو اختلاج فذلك دليل رديء فإن الضربان يدل على أحد أمرين إما ورم في الأحشاء معظم للضربان أو نحافة فيها فيظهر النبض العظيم الذي للضارب الكثير والخوانيق إذا مالت موادها إلى العصب منتقلة إليه لتحدث التشنّج دلّ عليه ظهور التشنّج في النبض.
وذات الجنب إذا مالت مادتها إلى ذلك دل عليه شدّة ضيق النفس وأن لا تكون الحمى شديدة جداً وإذا انتقل مادة السرسام إلى ذلك ابتدأ بكثرة طرف وتصريف أسنان ثم احولت العين واعوجّ العنق ثم فشا التشنّج.
المعالجات: أما الكائن عن ضربة فيجب أن تستعمل فيه النَطُولات المرخيّة المتخذة بكشك الشعير والبابونج والخطمي ودقيق الحلبة وما أشبه ذلك.
وقد بينا في القانون موضع استعماله.
وأما الكائن من الأذى فإن كان لشرب شيء فيعالج بما تعرفه في أبواب السموم وإن كان لحمّى فيعالج بالترطيب الشديد للدماغ والعصب والعضلات بالمروخات الشديدة الترطيب مما قد عرف ويلزم البيت البارد وإن كان لوجع فيسكن الوجع بعد أن ينظر ما هو ويقطع سببه وإن كان من لسعة فيعالج بما نقوله في أبواب اللسوع وإن كان عن ورم فيعالج بما نقوله في علاج أورام العصب وإن كان عن يبس فعلاجه يصعب.
وأوفق علاجه الآبزن والتمريخ بالدهن المرطب بعده وتكريره مراراً وذلك إن لم يكن حمى بحيث لا تفتر البتة وتتعهد للمفاصل كلها بذلك وإن أمكن أن يجعل الآبزن من لبن فعل وإلا فمن مياه طبخ فيها ورق الخلاف والكشك والبنفسج والنيلوفر والقرع والخيار ويتخذ له آبزن كله من عصارة القرع أو عصارة القثاء أو يكون كل ذلك من ماء الورد الذي طبخ فيه شيء من هذه أو ماء بطيخ هندي أو ما أشبه ذلك.
وإذا اتخذ لهم حقن من هذه العصارات والأدهان والسلاقات المرطبة الدسمة كان شديد النفع ويستعمل على المفاصل وعلى منابع العضلات الأدهان تعرق تعريقاً بعد تعريق مع عناية بالدماغ جداً وترطيب ما علمناكه في ترطيب الدماغ ويسقى العليل اللبن الحليب شيئاً صالحاً إن لم يكن حمى وماء الشعير وماء القرع وماء البطيخ الهندي والجلاب كان حمى أو لم يكن فإن مزج بشيء من هذه قليل شراب أبيض رقيق لينفذ كان صالحاً وكذلك يجعل ماؤه ممزوجاً بشيء من شراب ويجب أن يدام عليه هذا العلاج من غير أن يحرّك أو يلزم رياضة وإن أمكن أن يغمس بكلية بدنه في دهن مفتر فعل وليسعط بالمرطبات من الأدهان والعصارات وليرطّب رأسه بما قد عرفته من المرطبات ويجب أن يبيتوا على بزر قطونا ودهن الورد.
ومما وصاحب التشنج الرطب إن كان ضعيف القوة لم يقطع عنه اللحوم ولكن يجب أن يجعل لحمه من اللحوم اليابسة مثل لحوم العصافير والقباج والقنابر والطياهيج وإن لم تكن القوة ضعيفة جعل غذاؤه الخبز بالعسل وماء الحمص بالشبث وبالخردل وأيضاً المري بالزيت وليجعل فيما يتناوله الفلفل. وأما غذاء أصحاب التشنّج اليابس فكل ما يرطب ويلين وجميع الأحساء الدسمة اللينة المتخذة من ماء الشعير ودهن الوز والسكر الفائق وماء اللحم المتخذ من لحوم الخرفان والجديان وقد جعل فيه من البقول المرطّبة ما يكسر أذى اللحم إن كان هناك حرارة وإن مزج الشراب القليل بذلك لينفذه لم يكن بعيداً من الصواب خصوصاً إذا لم تكن حرارة مفرطة وكذلك إن مزج الشراب بما يسقونه من الماء جاز.
وأما العلاج فإن الرطب يجب أن يعالج بالاستفراغات والتنقيات القوية المذكورة عند ذكرنا استفراغ الخلط الغليظ من العصب بالمسهّلات والحقن الحادة وإن رأيت علامات غلبة الدم واضحة جداً فافصد أولاً وخصوصاً إن كان سبب الامتلاء شرب الشراب الكثير ولا تخرج جميع ما يحتاج إليه من الدم كان إخراجه بسبب التشنج أو بسبب علة أخرى يقتضي إخراجه بل آبق منه شيئاً ليقاوم التشنّج ويتحلل بتحليل حركات التشنج. ومن علاجاته الانغماس في مياه الحمّامات والجلوس في زيت الثعالب والضباع الذي نذكره في باب أوجاع المفاصل فإنه نافع.
وكذلك التمريخ بشحم الضباع وبدهن السوسن إن لم يكن حمى.
وكذلك طبيخ جراء الكلاب والجلوس في مياه طبخ فيها العقاقير الملطّفة مثل القيصوم وورق السعد وقصب الفريرة وورق الغار واللطوخ المتخذة من أصل الشوكة اليهودية وبزر الشوكة البيضاء وبزر الشوكة المصرية وعصارة القنطوريون الدقيق مفردة ومركبة. واعلم أن طول مدة المقام في الآبزن زيتاً كان أو غيره مما يضره بسبب إرخاء القوة فيجعل كثرة العدد بدل طول المدة فأجلسه في اليوم مرتين ومما ينفع من به التشنج العامي المسمى طاطالس والتمدد الكائنين عن مادة أن ينضغط دفعة في الماء البارد على ما ذكره بقراط فإن الظاهر من البدن يتكاثف به وينحصر الحار الغريزي في الباطن ويقوي ويحلل المادة وليس كل بدن يحتمل هذا سالماً عن الخطر بل البدن القوي الشباب اللحيم الذي لا قروح به وفي الصيف.
وقد عوفي بهذا قوم واستعمل المحاجم على المواضع التي يمتد إليها آخر الوتر بلا شرط إن كان الأمر خفيفاً وإن لم يكن كذلك احتجت إلى شرط فإنك إن لم تشرط حينئذ ربما أضررت بجذب المادة ومواضع المحاجم في الرقبة وفقار الظهر من الجانبين والأجزاء العضلية من الصدر.
وأما قدام المثانة وعلى موضع الكلية فإنما نفعل به ذلك عند خوفنا وإشفاقنا أن يكون خروج دم وينبغي أن لا تستعمل المحاجم كثيرة ولا دفعة معاً وتراعي موضع المحاجم فتحفظ أن لا يبرد فيبرد البدن.
ومن علاجه أيضاً أن يسوى ما تشنج بالرفق.
ومن علاجه الواقع بالطبع عروض الحمّى الحادة ولذلك قال بقراط: لأن تعرض الحمى بعد التشنج خير من أن يعرض التشنّج بعد الحمّى والربع تنفع في ذلك لزعزعة نافضها ولكثرة تعريقها.
ومن يعتريه الربع فقلما يعتريه التشنج فإنه أمان منه.
ومن المعالجات العجيبة المجرّبة للتشنّج أن يلصق على العضو المتشنج الألية وتترك عليه حتى تنتن ثم تبدل بغيرها.
والتشنج الذي يعم البدن قد ينفع فيه فصد الدماغ أيضاً بالتنقية بالعطوسات منفعة عظيمة.
وقد جرب عليهم أن يقلدوا قلادة من صوف كثير رخو ويرشّ عليها كل وقت دهن حار.
والحمّام اليابس ينفعهم منفعة عظيمة وأن يكبّوا على حجارة محماة يرش عليها الشراب وأن يعرقوا أيضاً بالتزميل. ومن أضمدتهم الجيدة مرهم يتّخذ من الميعة السائلة والفربيون والجندبيدستر والشمع الأصفر ودهن السوسن ومراهم ذكرت في القراباذين والشحوم وغيرها والتمريخ بعكر دهن السمسم ودهن بزر الكتان ولعاب الحلبة.
ومن كماداتهم الجيدة المخ المسخن على مخارج العصب ومما يسقونه مما يجلب الحمّى جندبادستر وحلتيت معجونين بعسل قدر جوزة فإنه يجلب الحمّى ويحلّل التشنج على المكان وكذلك دهن الخروع وماء العسل بالحلتيت وطبيخ حب البلسان.
ومما ينفعهم جداً سقي الترياق والمعاجين الكبار وقد ينتفع بتناول المدرات وقد جرب هذا الدواء وهو أن يسقى من أصل الفطر عشرون درهماً يطبخ برطلين من ماء حتى يبقى الثلث ويشرب منه أربعة أواق فاتراً بدرهمين دهن اللوز وذلك نافع خصوصاً للتشنج إلى خلف.
وقد يطبخ بدل أصل الفطر حبّ البلسان عشرة دراهم والشربة ثلاث أواق وكذلك الفوتنج البرّي.
ومما هو شديد النفع سقي الجاوشير يسقى منه القوي مثقالاً واحداً والوسط درهماً واحداً والضعيف ما يلي ربع درهم وليراع حينئذ المعدة فإنها تضعف به شديداً والحلتيت أيضاً قدر حبة كرسنة في قدر أربع أواق ونصف عسل وكذلك الأشق وقد يسقى ذلك كله وطبيخ الزوفا وطبيخ الانجدان.
وأما الجندبادستر فهو أكثر نفعاً وأقل ضرراً ويشرب به منه قدر ملعقتين إلى ثلاث يسقى في مرار كثيرة يكون مبلغ المشروب منها القدر المذكور وأقلّ ما يضر فيه أن يكون بعد الطعام كيف كان فلا خطر فيه.
ومن معالجاته أن يمرخ بالأدهان القوية التحليل المذكورة كدهن قثاء الحمار ودهن الخروع ودهن السذاب ودهن القسط مع جندبادستر وعاقر قرحا فإنه نافع جداً والألية المذابة ودهن النرجس ودهن هذه صفته: وهو أن يؤخذ من دهن الناردين قسط واحد ومن دهن الحضض قسط ومن الشمع أوقيتان ومن الجعدة والحماما والميعة والمصطكي من كل واحد أوقية ومن الفلفل والفربيون من كل واحد أربعة مثاقيل ومن السنبل أوقية ومن دهن البلسان أوقية ويجمع ومما ينفع أن يستعمل عليها ضماد الفربيون فإنه نافع جداً.
وأما العارض من التشنج للمرضعات فيكفيهن أن يضمد مفاصلهن بعسل عجن به زعفران وأصل السوسن وأنيسون على أن يكون أصل السوسن أكثرها ثم الأنيسون ويكون من الزعفران شيء يسير ويدام وضع أعضائهن في مياه طبخ فيها بابونج وإكليل الملك وحلبة وربما نفع دهن البابونج وحده.
والشراب القليل نافع لأصحاب التشنج الرطب يحلله كما يحلل الحمى وأما الكثير فهو أضر أسبابه ويجب أن يسقى القليل العتيق وعلى غذاء قليل.
واعلم أن التشنج إذا كان عاماً للبدن دون أعضاء الوجه فإن الأطباء يفصدون بالأضمدة والمروخات فقار العنق وإن كان في أعضاء الوجه أيضاً فصدوا الدماغ مع ذلك وإذا كان التشنج من مشاركة المعدة ورأيت العلامة المذكورة فبادر إلى تنقية ذلك الإنسان فإنه ربما قاء مرة واحدة حادة أو خلطاً عفناً ويبرأ في الوقت.
التمدد مرض آلي يمنع القوة المحركة عن قبض الأعضاء التي من شأنها أن تنقبض لآفة في العضل والعصب وأما لفظ الكزاز فقد يستعملونه على معان مختلفة فتارة يقولون كزاز ويعنون به ما كان بمتدئاً من عضلات الترقوة فيمددها إلى قدام وإلى خلف وإما في الجهتين جميعاً.
وربما قالوا كزازاً لكل تمدد وربما قالوا كزازاً للتشنج نفسه وربما قالوه لتشنج العنق خاصة وربما عنوا به التمدد الذي يكون من تسخين أو تمددين من قدام ومن خلف وربما خصوا باسم الكزاز ما كان من التمدد بسبب برد مجمد.
والتمدد بالحقيقة هو ضد التشنج وداخل في جنس التشنّج دخول الأضداد في جنس واحد واعتراؤهما إلى سبب واحد يقع وقوعاً متضاداً إلا أن التشنج يكون إلى جهة واحدة فإذا اجتمع تشنجان في جهتين متضادتين صاراً تمدداً يعرض له التشنج من قدام وخلف جميعاً فيعرض له من الحركتين المتضادتين في أعضاء بدنه أن يتمدد ولما كان هذا التمدد تشنجاً مضاعفاً وجب أن يكون أحد من التشنج البسيط فيكون بحرانه أسرع.
وقد يكون هذا المضاعف ليس من تسخين بل من تمددين ولا يخلو التشنج في أكثر الأمر من وجع شديد.
وأسباب الكزاز شبيهة بأسباب التشنّج من وجه مخالفة لها من وجه.
أما مشابهتها لها فلأن الكزاز قد يكون من امتلاء وقد يكون من يبوسة وقد يكون لأذى يلحق الأعضاء العصبية وقد يكون من أورام.
وأما مخالفته له فلأن التشنج في النادر يكون من الريح والكزاز كثيراً ما يكون عن ريح ممددة بل الكزاز الذي هو مركب من تشنجين قد يكون كثيراً من الريح إذا استولى على البدن ويكون مع ذلك علة صعبة وإن كان التشنج المفرد العارض في عضو واحد من الريح فلا يكون صعباً وذلك لأن هذا يكون لاستيلاء الريح على البدن كله وقد كان التشنج المفرد إذا غلب معه الريح كان هناك خطر وعلامة موت فكيف المضاعف.
ويخالف من وجه آخر وهو أن السبب في التشنج المادي كان يقع في موضع من العصب وقوعاً على هيئة تمنع الانبساط لأنه يمدد الليف عرضاً أو يقبضه إلى أصله فيشنج.
وأما السبب في الكزاز المادي فإن وقوعه في الخلاف فإنه إما أن تكون الرطربة الكازة جرت خلال الليف ثم جمدت وبقيت على الصلابة فيعسر رجوعها إلى الانقباض أو تكون وقعت دفعة فملأت الليف من غير أن تختلف نسبتها من نسبة الليف بل وقعت على امتداد الليف فعرضت من غير أن نقصت من الطول نقصاناً لكنها تحفظ الطول بميلها للفرج.
وأما التشنج فإن المادة الفاعلة له مختلفة الوضع في خلل العصب غير نافذة فيها نفوذاً متشابهاً ولا نفاذاً كثيراً ويشبه أن يكون نفوذ مادة الكزاز الذي على هذه الصفة يشبه نفوذ مادة الاسترخاء إلا أن تلك المادة رقيقة مرخية وهذه جامدة صلبة لا تدع العضو أن ينعطف وإما أن تكون المادة في الكزاز لم تقع في واسطة العضلة أو الوتر أو العصبة ولكن في مبدئه فحفرت العصب أو الوتر طولاً فهو لا يقدر على أن ينقبض.
وإما أن يكون هناك ورم وإما أن تكون المادة وقعت خلال الليف وقوعاً إذا قبضت احتاجت إلى أن يتضاغط لها الليف ويتأذى ويوجع.
وإما أن يكون السبب الموجع والمؤذي مادّة أو غير مادة وقعت في مبادي العضل أو الأوتار فهي تهرب عنها طولاً كما يقع عن نوع من الكزاز عقيب القيء العنيف والاستفراغ الكثير للأذى لأن الأوتار والعصب تتأذّى عن المعدة.
هذا وإن كان السبب في الكزاز اليبوسة فيكون لأن العضل لما انتقص عرضاً بانحلال الرطوبات ازداد طولاً وتقبّضت منه المنافذ فتعسّر نفوذ القوة المحرّكة فيها فضعفت عن نقل الأعضاء إلى التقبّض وخصوصاً إذا أعان التصلّب الحادث عن الجفاف على العصبات وأما مثله من التشنّج اليابس فقد ينقص من الطول والعرض جميعاً على سبيل الاستواء فلذلك كان التشنّج اليابس أردأ من الكزاز اليابس وكما أن الاسترخاء ربما وقع للقطع فكذلك التمدّد قد يقع للجراحة إذا عرضت فتأذّت العضل عن الانقباض.
والكزاز قد يقع منه شيء عظيم بسبب قوي ومادة قوية كثيرة وقد يقع على نحو وقوع التشنج لخدر امتلائي يسدّ مسالك الروح فتبقى الأعضاء الممدودة لا تنقبض كما تبقى الأعضاء المقبوضة لا تمتد إلى أن تجد الروح سبيلاً ومنفذاً فهو كثيراً ما يكون بعد النوم لأن الروح منه أذهب إلى الباطن ولما قلنا في التشنّج وقد يقع لأجل هيئة غير طبيعية شاقة تعرض للعضل فتقلّ قوتها أو تصير وجعة غير محتملة لتحريك فتبقى على ذلك الشكل كمن مدد بحبل أو رفع شيئاً ثقيلاً أو حمل على ظهره حملاً ثقيلاً أو نام على الأرض فآذت الأرض عضلاته ورضّتها أو أصابته سقطة أو ضربة راضة للعضل أو قطع أو حرق نار توجعت لها فهي عاجزة عن الانقباض وربما كان مع ذلك مادة منصبّة إليها أو ريح.
غليظة متولّدة فيها أو صائرة إليها تمددها.
وكما أن التشنّج الخاص بأعضاء الوجه كذلك التمدد إذا لحق الجفن أو اللسان أو الشفة وحدها وقد يقع من الكزاز نوع رديء يبوسي تتقدمه حميّات لازمة مع قلق وبكاء وهذيان ويصفر لها اللون وييبس الفم والشفة ويسودّ اللسان وتعتقل الطبيعة ويستحصف الجلد ويتمدد وهو رديء.
وكل كزاز عن ضربة يصحبه فواق ومغص واختلاط وذهاب عقل فهو قتال يصحب تجفيف العضل وغليان رطوبتها حتى يمددها طولاً ثم يحفظ ذلك عليه بالجفاف البالغ الحافظ للهيئات.
والكزاز يعرض كثيراً للصبيان ويسهل عليهم كلما كانوا أصغر على ما قيل في التشنج وقد يتقدم الكزاز كثيراً اختلاج البدن وثقله وثقل الكلام.
وصلابة في العضلات وفي ناحية القفا إلى العصعص وعسر البلع واحتكاك إذا حكوه لم يلتذوا به.
وإذا كان في البول كالمدة والقيح وكان قشعريرة وغشاوة في البصر وعرق في الرأس والرقبة دل على امتداد في الجانبين سيكون لأن مثل هذه المادة يكثر فيها أن لا تستنقي من أسفل بالتمام بل يصعد منها شيء فيما بين ذلك إلى الدماغ ويؤذيه ويكسر البدن وإذا بدأ الكزاز العام انطبق الفم واحمرّ الوجه واشتد الوجع وصار لا يسيغ ما تجرعه ويكثر الطرف وتدمع العين.
وقد رأينا نحن إذ بدأ الكزاز العام بامرأة انطبق فمها واصفر وجهها وظهر لها اصطكاك أسنانها ثم بعد زمان مديد اخضرّ وجهها وكانت لا تقدر أن تفتح فاها حتى بقيت زماناً طويلاً ممتدة مستلقية بحيث لا يمكن لها أن تنقلب ثم بعد ذلك انحلّ عنها الكزاز وانقلبت إلى الجانبين وتكلمت ونامت إلى الغد فهذا ما شاهدنا من حالها وعالجناها كل مرة وكل مدة. ثم الفرق بين التشنج والتمدد أن التشنّج يبتدئ في العضلة بحركة والتمدّد يكون ابتداؤه في العضلة بسكون وقد يقع الانتقال إلى التمدد من الخوانيق وذات الجنب والسرسام على نحو ما كان في التشنج.
وقد يكثر في البلاد الجنوبية للامتلاء وحركة الأخلاط.
وخصوصاً في البلغميين وقد يعرض في البلاد الشمالية لاحتقان الفضول وخصوصاً للنساء فإنهن أضعف عصباً.
أما علامات التمدّد مطلقاً فأن لا يجيب العضو إلى الانقباض.
وأما علامات الكزاز إن كان إلى قدام فأن يكون الشخص كالمخنوق مختنق الوجه والعين وربما خيل أنه يضحك لتمدد عضل الوجه منه ويكون رأسه منجذباً إلى قدام بارزاً مع امتلاء العنق لا يستطيع الالتفات وربما لم يقدر أن ببول لتمددِ عضل البطن وضعف الدافعة.
وربما بال بلا إرادة لأن عضلة المثانة منه تكون متمددة غير منقبضة وربما بال الدم لأنفجار العروق لشدة الانضغاط وربما عرض له الفواق. وإن كان الكزاز إلى خلف وجدت الرأس والكتفين والعضلة منجذبة إلى خلف ويعرض ذلك لامتداد عضل البطن إلى خلف بالمشاركة وامتداد عضلة المقعدة ولا يقدر أن يحبس ما في المعي المستقيم ولا يقدر أن يستنزل ما في المعي الدقاق ويشتركان في الاختناق والسهر والوجع ومائية البول وكثرة نفاخات فيه للريح وفي السقوط عن الأسرّة.
وأما علامة الرطب واليابس والورمي والكائن عن الأذى فعلى ما قيل في التشنّج.
وكثيراً ما يصيبهم القولنج للبرد إن كانت العلة باردة.
المعالجات: علاجه بعينه علاج التشنّج ويستعمل ههنا من المحاجم على الأعضاء أكثر مما يستعمل في التشنج وذلك لتسترجع الحرارة وأن يكون بشرط خاصة على عضل العنق والفقارات والشراسيف ومما يجب أن يراعى في المكزوز أنه إذا عرق بدنة بشدة الوجع أو من العلاج لم يترك أن يبرد عليه فإنه يؤذيه ولكن يجب أن ينشّف بصوفة مبلولة وربما أجلس في زيت مسخن فإنه قوي التحليل ويسقى الجاوشير إلى درهم بحسب القوة ومن الحلتيت أيضاً.
والكزاز أولى بأن يبادر إلى علاجه من التشنج لأن الكزاز مؤذ خانق قاتل.
ومما ذكر أنه نافع جداً في علاج الكزاز والتشنج أن تغلي سلاقة الشبث ويطرح فيه جرو ضبع أو جرو كلب أو جرو ثعلب ويطبخ حتى يتهرى ثم يستنقع العليل فيه مرتين وكذلك ينفعهم التمريخ شحم الحمام الوحشي وشحم الأيل وبشحم الأسد والدب والضبع مفردة أو مع الأدوية.
وينفعهم الحقنة بدهن السذاب مع جندبادستر وقنطوريون وكل الحمولات اللاذعة الحادة التي فيها بورق وشحم الحنظل وما أشبهه فإن أحرقت بإفراط حقن بعدها بلبن الأتن أو السمن أو دهن الألية مفردة أو مع شحم من المذكورة.
وأنفع الأشياء للتمدد البارد والرطب جندبادستر فإنه يجب أن يتعاهد وإذا غذي أصحاب الكزاز فيجب أن لا يلقموا من الطعام إلا لقماً صغاراً ضعافاً جداً وأن يزجوا بالحسو الرقيق لأن البلع يصعب عليهم فيزيد في مناخرهم ويضطربون فيزيد ذلك في علتهم وقد ذكرنا أدوية يسقونها ويمسح بها أعضاؤهم ومقاعدهم في القراباذين وكذلك المروخات النافعة لهم مثل دهن الخيار وغير ذلك مما قيل وكذلك السعوطات والعطوسات.
وخير العطوسات لهم ميعة الموميا ببعض الأدهان. والحمّى التي تقع بالطبع خير علاج لما كان منه رطوبياً.